]u] رسالة صلاح الدين إلى الديوان العزيز يشرح تدفق الإمدادات الفر نجية إلى عكا وحولها[/u]
قد تقدمت المطالعة بمنازلة العدو المنازل بالنوازل ، و مجادلة أهل الغواية بالغوائل ، و مقاتلة طواغيت الكفر الواصلة
في البحر بعدد أمواجه إلى الساحل ، وقد نزلوا على عكاء المحروسة براياتهم المنكوسة ، وآرائهم المعكوسة ،
وحشودهم المجموعة وجموعهم المحشودة ، وظلال الضلال الممدودة ، وإقدام الأقدام المصدودة المسدودة .
وقد مضت ثلاثة أشهر شهر بها التثليث على التوحيد سلاحه ، وبسط الكفر جناحه ، وحصل الشرك على قروحه وعدم
اقتراحه ، وقتل من الفرنج وعدم في الوقعات التي روعت ، والورعات التي وقعت ،أكثر من عشرين ألف مقاتل ، من
فارس ورجل ، ورامح ونابل ، فما اثر ذلك في نقصهم ، ولا أرث ( 1 ) إلا نار صرحهم ، وما فلل حد حديثهم الحادث ،
و لا قلل عدد كثيرهم الكارث ، ولا غضوا عيون أطماعهم ، ولا قضوا ختوم اجتماعهم ، ولا ردوا وجوههم عن
مواجهة الردي ، ولا قطعوا أملهم عن الوصول إلى المدى ، ولو قطعوا بالمدى ، وهم لمواضعهم ملازمون ، وفي
مصارعهم جاثمون ، وعلى الموت صابرون ، وإلى الحمام صائرون ، وبالخنادق من البوائق محتمون ، وبالطوارق من
الطوارق معتصمون ، وعندهم أنهم للبلد محاصرون ، وهم على الحقيقة ، وإن كانوا لكثرتهم غير محصورين ،
محصورون ، وإن جندنا لهم المنصورون .
وللعساكر الإسلامية فيهم كل يوم نكاية شديدة وفتكة مبيدة ووقعة ناكية ، وجمرة ذاكية ، وصدمة صادعة ، وحدمة
رادعة .
ولما امتنع الدخول إليهم ، وتعذر الوصول إليهم ؛ جًمع راجل البلاد وحشد إلى حشودهم ذوو الاستعداد ، حتى تقاتل
الراجل بالراجل والفارس بالفارس ، ونفترع بقمع جمعهم بكسر الفتح العانس ، وقد وصل الأخ العادل – وفقه الله
للمراقي الشريفة – بالجموع الكثيرة الكثيفة ، ولعل الله أن يجعل حتف هؤلاء الفرنج فتحا لأابواب الفتح ، ويجعل لليالي
آمال المسلمين بطلوع صبح النجح ، وليس هذا العدو بواحد فينجع فيه التدبير ، ويأتي عليه التدمير ، وإنما هو كل من
وراء البحر ، وجميع من في ديار الكفر ، فإنه لم يبق لهم مدينة ولا بلدة ولا جزيرة ، ولاخطة صغيرة ولا كبيرة إلا
جهزت مراكبها وأنهضت كتائبها ، وتحرك ساكنها وبرز كامنها ، ونفضت خزائنها وانفضت معادنها وحملت ذخائرها ،
وبذلت أخايرها وثار ثائرها وسار سائرها وطار طائرها ، ونثلت كنائن كنائسها ، واستخرجت دفائن نفائسها .
وخرج بصلبانها أساقفها وبطاركها ، وغصت بالأمواج فجاجها ومسالكها ، وتصلب للصليب وتغضبت للمصاب
المصيب ، ونادوا في نواديهم بأن البلاء دهم بلادهم ، وأن إخوانهم بالقدس أبارهم الاسلام وأبادهم ، وأنه من خرج من
بيته مهاجرا وبحرب الإسلام مجاهرا ولمتعبده مستردا ، ولجده في النخوة لدينه مستنجدا فقد وهبت له ذنوبه وذهبت
عنه عيوبه . ومن عجز عن السفر سفر بعدته وثروته من قدر ، وبذل البدر لمن بدر ، فجاؤوا لابسين للحديد بعد أن
كانوا لابسين للحداد ، وتواصلت منهم الأمداد بالإمداد ، وتوالت أنجاد الإنجاد ، وهم على النقص يزيدون وعلى الأيد
يبيدون ، وبالمهج يجودون ، وعن اللجاج في خوض اللجج لا يعودون .
وهؤلاء هم الواصلون في البحر القاطعون أثباجه الكاثرون أمواجه. فاما ملوكهم الواصلون في البر ، فقد تواترت
أخبارهم ، بأن خلت منهم ديارهم ورمتهم إلى أغراضهم البعيدة أوتارهم ، وبهم يستفحل الشر ويعضل الآمر ويصول
الكفر ويجول ويتطاول الشرك ولكنه لا يطول ، فإن لدين الله من خليقته ناصراً لا يسلمه ورازقاً لا
يحرمه ، وما تمسك بحبل طاعته إلا من فاز قدحه ، وحاز السناء قدحه أسفر صبحه ووقر نجحه ، وبدا علوه وباد
عدوه . والخادم ، بقوة رجائه بالعوارق الإمامية والعواطف النبوية وشدة استظهار بالنصرة الظاهرة الناصرية آن أن
يفرق الجمعين ، ويجمع للطرقين القمعين ويعيد البر بحراً من دماء وأفدى البر والبحر ، ويقطع دابرهم دابر الكفر ( 2 )
( 1 ) أرث : أوقد .
( 2 ) أورد كل من ابي شامة في كتاب " الروضتين "ج 2 – 149 وابن واصل في " مفرج الكروب " ج 6 – 306
– 307 نصوصاً أكثر اختصاراً من النص المذكور أعلاه .
قد تقدمت المطالعة بمنازلة العدو المنازل بالنوازل ، و مجادلة أهل الغواية بالغوائل ، و مقاتلة طواغيت الكفر الواصلة
في البحر بعدد أمواجه إلى الساحل ، وقد نزلوا على عكاء المحروسة براياتهم المنكوسة ، وآرائهم المعكوسة ،
وحشودهم المجموعة وجموعهم المحشودة ، وظلال الضلال الممدودة ، وإقدام الأقدام المصدودة المسدودة .
وقد مضت ثلاثة أشهر شهر بها التثليث على التوحيد سلاحه ، وبسط الكفر جناحه ، وحصل الشرك على قروحه وعدم
اقتراحه ، وقتل من الفرنج وعدم في الوقعات التي روعت ، والورعات التي وقعت ،أكثر من عشرين ألف مقاتل ، من
فارس ورجل ، ورامح ونابل ، فما اثر ذلك في نقصهم ، ولا أرث ( 1 ) إلا نار صرحهم ، وما فلل حد حديثهم الحادث ،
و لا قلل عدد كثيرهم الكارث ، ولا غضوا عيون أطماعهم ، ولا قضوا ختوم اجتماعهم ، ولا ردوا وجوههم عن
مواجهة الردي ، ولا قطعوا أملهم عن الوصول إلى المدى ، ولو قطعوا بالمدى ، وهم لمواضعهم ملازمون ، وفي
مصارعهم جاثمون ، وعلى الموت صابرون ، وإلى الحمام صائرون ، وبالخنادق من البوائق محتمون ، وبالطوارق من
الطوارق معتصمون ، وعندهم أنهم للبلد محاصرون ، وهم على الحقيقة ، وإن كانوا لكثرتهم غير محصورين ،
محصورون ، وإن جندنا لهم المنصورون .
وللعساكر الإسلامية فيهم كل يوم نكاية شديدة وفتكة مبيدة ووقعة ناكية ، وجمرة ذاكية ، وصدمة صادعة ، وحدمة
رادعة .
ولما امتنع الدخول إليهم ، وتعذر الوصول إليهم ؛ جًمع راجل البلاد وحشد إلى حشودهم ذوو الاستعداد ، حتى تقاتل
الراجل بالراجل والفارس بالفارس ، ونفترع بقمع جمعهم بكسر الفتح العانس ، وقد وصل الأخ العادل – وفقه الله
للمراقي الشريفة – بالجموع الكثيرة الكثيفة ، ولعل الله أن يجعل حتف هؤلاء الفرنج فتحا لأابواب الفتح ، ويجعل لليالي
آمال المسلمين بطلوع صبح النجح ، وليس هذا العدو بواحد فينجع فيه التدبير ، ويأتي عليه التدمير ، وإنما هو كل من
وراء البحر ، وجميع من في ديار الكفر ، فإنه لم يبق لهم مدينة ولا بلدة ولا جزيرة ، ولاخطة صغيرة ولا كبيرة إلا
جهزت مراكبها وأنهضت كتائبها ، وتحرك ساكنها وبرز كامنها ، ونفضت خزائنها وانفضت معادنها وحملت ذخائرها ،
وبذلت أخايرها وثار ثائرها وسار سائرها وطار طائرها ، ونثلت كنائن كنائسها ، واستخرجت دفائن نفائسها .
وخرج بصلبانها أساقفها وبطاركها ، وغصت بالأمواج فجاجها ومسالكها ، وتصلب للصليب وتغضبت للمصاب
المصيب ، ونادوا في نواديهم بأن البلاء دهم بلادهم ، وأن إخوانهم بالقدس أبارهم الاسلام وأبادهم ، وأنه من خرج من
بيته مهاجرا وبحرب الإسلام مجاهرا ولمتعبده مستردا ، ولجده في النخوة لدينه مستنجدا فقد وهبت له ذنوبه وذهبت
عنه عيوبه . ومن عجز عن السفر سفر بعدته وثروته من قدر ، وبذل البدر لمن بدر ، فجاؤوا لابسين للحديد بعد أن
كانوا لابسين للحداد ، وتواصلت منهم الأمداد بالإمداد ، وتوالت أنجاد الإنجاد ، وهم على النقص يزيدون وعلى الأيد
يبيدون ، وبالمهج يجودون ، وعن اللجاج في خوض اللجج لا يعودون .
وهؤلاء هم الواصلون في البحر القاطعون أثباجه الكاثرون أمواجه. فاما ملوكهم الواصلون في البر ، فقد تواترت
أخبارهم ، بأن خلت منهم ديارهم ورمتهم إلى أغراضهم البعيدة أوتارهم ، وبهم يستفحل الشر ويعضل الآمر ويصول
الكفر ويجول ويتطاول الشرك ولكنه لا يطول ، فإن لدين الله من خليقته ناصراً لا يسلمه ورازقاً لا
يحرمه ، وما تمسك بحبل طاعته إلا من فاز قدحه ، وحاز السناء قدحه أسفر صبحه ووقر نجحه ، وبدا علوه وباد
عدوه . والخادم ، بقوة رجائه بالعوارق الإمامية والعواطف النبوية وشدة استظهار بالنصرة الظاهرة الناصرية آن أن
يفرق الجمعين ، ويجمع للطرقين القمعين ويعيد البر بحراً من دماء وأفدى البر والبحر ، ويقطع دابرهم دابر الكفر ( 2 )
( 1 ) أرث : أوقد .
( 2 ) أورد كل من ابي شامة في كتاب " الروضتين "ج 2 – 149 وابن واصل في " مفرج الكروب " ج 6 – 306
– 307 نصوصاً أكثر اختصاراً من النص المذكور أعلاه .